فرويد و الجهاز النفسي خلاصة للاطلاع
أن مدرسة التحليل النفسي بزعامة فرويد ترى أن الجهاز النفسي لشخصية الفرد يتكون من ثلاث مكونات افتراضية هي :
1ـ ألهو أو الهي
وهو أقدم قسم من أقسام الجهاز عند فرويد,وهو منبع الطاقة الحيوية والنفسية التي يولد الفرد مزودا بها,وهو يحتوي على ماهو ثابت في تركيب الجسم,فهو يضم الغرائز والدوافع الفطرية:الجنسية والعدوانية,وهو الصورة البدائية للشخصية قبل أن يتناولها المجتمع بالتهذيب والتحوير,ومستودع القوى والطاقات الغريزية,وهو جانب لا شعوري عميق,ليس بينه وبين العالم الواقعي صلة مباشرة,كما انه لا شخصي ولا إرادي,لذلك فهو بعيد عن المعايير والقيم الاجتماعية,لا يعرف شيئا عن المنطق,ويسيطر على نشاطه مبدأ" اللذة"و "الألم",ويندفع إلى إشباع دوافعه اندفاعا عاجلا في صورة وبأي ثمن.
2ـ الأنا
وهو مركز الشعور والإدراك الحسي الخارجي,والإدراك الحسي الداخلي,والعمليات العقلية,وهو المشرف على جهازنا الحركي الإرادي,ويتكفل الأنا بالدفاع عن الشخصية,ويعمل على توافقها مع البيئة,وإحداث التكامل,وحل الصراع بين مطالب (ألهو),وبين مطالب "الأنا الأعلى",وبين الواقع ,والأنا له جانبان:شعوري ولا شعوري,وله وجهان:وجه يطل على الدوافع الفطرية والغريزية في ألهو,وآخر يطل على العالم الخارجي عن طريق الحواس,ووظيفة (الأنا) هي التوفيق بين مطالب (ألهو) والظروف الخارجية,وينظر إليه فرويد كمحرك منفذ للشخصية,ويعمل(الأنا) في ضوء مبدأ الواقع,ويقوم من اجل حفظ وتحقيق قيمة الذات والتوافق الاجتماعي,وينمو الأنا عن طريق الخبرات التربوية التي يتعرض لها الفرد من الطفولة إلى الرشد.
3ـ الأنا الأعلى
وهو مستودع المثاليات والأخلاقيات, والضمير, والمعايير الاجتماعية, والتقاليد, والقيم, والصواب, والخير, والحق, والعدل, والحلال, فهو بمثابة سلطة داخلية, أو "رقيب نفسي", وهو لاشعوري إلى حد كبير, وينمو مع نمو الفرد, ويتأثر الأنا الأعلى في نموه بالوالدين, ومن يحل محلهم, مثل المربين والشخصيات المحبوبة في الحياة العامة, والمثل الاجتماعية العليا, كما انه يتعدل ويتهذب بازدياد ثقافة الفرد وخبراته في المجتمع, ويعمل الأنا الأعلى على ضبط (ألهو), وكفه عن إشباع كل ما يراه المجتمع خطأ أو محرما من الدوافع, وذلك من خلال (الأنا).
ويؤكد فرويد أن الجهاز النفسي للشخصية لا بد أن يكون متوازنا حتى يكفل للفرد طريقة سليمة للتعبير عن الطاقة اللبيدية"الحيوية الجنسية" وحتى تسير الحياة سيرا سويا.ويحاول" الأنا " حل الصراع بين " ألهو " و " الأنا الأعلى " فيلجأ إلى عملية تسوية ترضي ـ ولو جزئيا ـ كلا من الطرفين,وإذا اخفق ظهرت أعراض العصاب.وقد يحدث الصراع بين "الأنا"و"ألهو" حيث تسعى مكونات ألهو الغريزية للتعبير عن نفسها في الوقت الذي يقف فيه الأنا بالمرصاد دفاعا عن الشخصية وحرصا على توافقها.وقد يحدث الصراع بين الأنا والأنا الأعلى حيث يصدر الأنا الأعلى أوامر مستديمة إلى الأنا مما قد يرهقه ويأخذ صورة مرضية يعبر عنها بقلق الضمير.
مفهوم فرويد المتعلق بالشعور,واللاشعور,وما قبل الشعور, يمكن إيجازه بالشكل الأتي:
1ـ الشعور
وكما حدده فرويد فهو منطقة الوعي الكامل والاتصال بالعالم الخارجي,وهو الجزء السطحي فقط من الجهاز النفسي, وهو الوسيلة المباشرة لإطلاع الإنسان على ما يمر به من الحالات النفسية أي الاطلاع على وجود اللذة والتعب, وعلى سير المحاكمات العقلية, أي انه وسيلة الذات في الاطلاع على ما تنطوي عليه في حاضرها ساعة اليقظة.
2ـ اللاشعور
وحسب فرويد فهو يكون معظم الجهاز النفسي.وهو يحوي ما هو كامن ولكنه ليس متاحا ومن الصعب استدعاؤه لأن قوى الكبت تعارض ذلك.وحدد فرويد الرغبات المكبوتة التي يحتويها اللاشعور بأنها ذات طابع جنسي.ويقول إن المكبوتات تسعى إلى شق طريقها من اللاشعور في الأحلام وفي شكل أعراض لمختلف الاضطرابات العصابية.
3ـ ما قبل الشعور:
ويحتوي العناصر غير الموجودة في نطاق الوعي إلا انه من الممكن استدعاؤها إلى الوعي بسهولة حيث يقع ما ندركه في لحظة معينة في نطاق الوعي لفترة ثم نصرف انتباهنا عنه, فينتقل إلى ما قبل اللاشعور ونستطيع نقل الأفكار من منطقة ما قبل الشعور إلى الشعور من خلال تركيز الانتباه, والأفكار الكامنة في منطقة ما قبل الشعور لا تمت إلى مستوى الشعور المباشر لأنها ليست فيه, وهي لا ترجع إلى اللاشعور لأنها تختلف عن حالته من حيث سهولة جعلها شعورية, ومن حيث قدرة الشعور على استدعائها والتصرف بها, ومن حيث ما فيها من فعالية, لذلك تكون بين الشعور واللاشعور.
ويرى فرويد حسب نظريته الثانية عن القلق سنة 1923 أن القلق ما هو إلا إشارة,الهدف منها تمكين الفرد من تجنب حالة من الخطر,ويقول في ذلك"أن جميع الإعراض النفسية تأتي لغرض واحد فقط وهو تجنب حالة القلق,وأن هذه الأعراض المرضية " تربط " الطاقة النفسية, ولولا هذا الربط لأصبحت الطاقة النفسية حرة في الانطلاق على شكل قلق..." ويقول في ذلك "...أن الأعراض المرضية تخلق لكي يتمكن أل " أنا " من الابتعاد أو النجاة من موقف خطر,وإذا ما منعت هذه الإعراض المرضية من الظهور فان الخطر سيبرز لا محال...".
وقد اعتمد فرويد في تفسير السلوك والإمراض النفسية على عملية الكبت وأفترض نوعين من الكبت,أولهما يتألف من مشاعر غريزية ودوافع تبدأ في وقت مبكر من حياة الفرد ولكنها لم تدخل أبدا في حيز الوعي,والنوع الثاني من الكبت يتألف من أنواع الشعور والتجارب والدوافع والرغبات التي وجدت في وقت ما في الوعي ثم أجبرت على أن تكبت في اللاوعي,وهذا النوع الأخير من الكبت هو النوع الأكثر أهمية بالنسبة لفرويد, وهو يمثل الصراع بين الرغبة وبين الموانع لتحقيقها من قبل "الأنا الأعلى ",وقد بين فرويد الحقائق الآتية عن عملية الكبت:1ـ أنها عملية عامة توجد عند جميع الناس, 2ـ أن المادة المكبوتة مؤلمة دائما أو محرجة أو مكروهة من قبل صاحبها, و3ـ أن عملية الكبت عملية تلقائية تتم كليا خارج نطاق الوعي,ونظرية فرويد في "ديناميكية" الأمراض النفسية تتلخص فيما يلي:1ـ قيام صراع عاطفي بين حاجتين أو رغبتين متضاربتين, 2ـ كبت هذا الصراع إلى " اللاوعي ", 3ـ يظل الصراع المكبوت في اللاوعي ذا قدرة على التعبير عن وجوده بشكل من الأشكال بما في ذلك اتخاذ صفة الأعراض النفسية.
وهكذا فأن فرويد يعتقد بأن عملية الكبت هي عملية " إنكار " ينكر فيها أل " أنا " وجود دوافع داخلية,أو حوادث خارجية, والتي يؤدي الاعتراف بوجودها إلى نتائج مؤلمة. ولما كان من المتعذر الإبقاء على هذه الدوافع كجزء متوازن من وعينا النفسي, فلابد من كبتها حال قيامها محافظة على هذا التوازن من خطر الاضطراب, والصراع المكبوت بهذا الشكل لا ينتهي وجوده بمجرد كبته إلى اللاوعي, إذ يظل هناك مهددا لصاحبه بالظهور, وقد يظهر ذلك بشكل مستتر كما هو الحال ومظاهر السلوك المختلفة, وقد يظهر بصفة أعراض مرضية نفسية والتي تعتبر وسيلة دفاعية نفسية يشغل فيها المريض عن أدراك الصراع الداخلي, وبهذا تساعد في إبقاء هذا الصراع مكبوتا, كما أن في هذه الأعراض المرضية فائدة الإرضاء النفسي للمريض إلى حد ما, لأنها تمثل حلا وسطا بين ما يرغب فيه الفرد وبين ما ينكره.أن هذا الصراع,وهو أساس الإمراض النفسية, يوجد في العقل ولكنه غير معروف لصاحبه. وهكذا فان جميع الأعراض المرضية حسب النظرية الفرويدية ما هي إلا نتيجة هذا الصراع بين القوى المكبوتة والقوى الكابتة لها.